والله ان كان لكذلك".
وثوى البطل في مرقده..
ووقف أصحابه في خشوع، والدنيا من حولهم هاجعة، خاشعة، صامتة..
لم يقطع الصمت المهيب سوى صهيل فرس جاءت تركض بعد أن خلعت رسنها، وقطعت شوارع المدينة وثبا وراء جثمان صاحبها، يقودها عبيره وأريجه..
واذ بلغت الجمع الصامت والقبر الرطب لوت برأسها كالراية، وصهيلها يصدح.. تماما مثلما كانت تصنع والبطل فوق ظهرها، يهدّ عروش فارس والروم، ويشفي وساوس الوثنية والبغي، ويزيح من طريق الاسلام كل قوى التقهقر والشرك...
وراحت وعيناها على القبر لا تزيغان تعلو برأسها وتهبط، ملوّحة لسيدها وبطلها مؤدية له تحية الوداع..!!
ثم مقفت ساكنة ورأسها مرتفع.. وجبهتها عالية.. ولكن من آقيها تسيل دموع غزار وكبار..!!
لقد وقفها خالد مع سلاحه في سبيل الله..
ولكن هل سيقدر فارس على أن يمتطي صهوتها بعد خالد..؟؟
وهل ستذلل ظهرها لأحد سواه..؟؟
ايه يا بطل كل نصر..
ويا فجر كل ليلة..
لقد كنت تعلو بروح جيشك على أهوال الزحف بقولك لجندك:
" عند الصباح يحمد القوم السرى"..
حتى ذهبت عنك مثلا..
وهأنتذا، قد أتممت مسراك..
فلصباحك الحمد أبا سليمان..!!
ولذكراك المجد، والعطر، والخلد، يا خالد..!!
ودعنا.. نردد مع أمير المؤمنين عمر كلماته العذاب الرطاب التي ودّعك بها ورثاك:
" رحم الله أبا سليمان
ما عند الله خير مما كان فيه
ولقد عاش حميدا
ومات سعيدا